قراءة تحليلية عن نص محمد يوسف " مللتك" // بقلم الأديب باسم عبد الكريم العراقي

 { مفتاحية التناص }

قراءة تحليلية عن نص الشاعر "محمد يوسف"

النص ..:

--------

مللتُك أَيُّهَا الْمُرَبَّع الْأَحْمَر ، 

سئمتُ صمتك المشؤوم 

وضجيج كَذَّبَك الرنان  

 احْتَرَقَت كُلّ المربعات 

والبيادق بَاتَت رَمَاد وَدُخَان 

 لَم تَكْتَرِث لبكاء الْعَصَافِير . 

بَل رَاقَ لَك نَحِيب الْغِزْلَان 


 متى يا شَهْرَزاد؟ 

ستقصين لشهريار النائم 

حِكَايَاتٌ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان ، 

 

لم احْتَمَل وشوشات السَّمَاسِرَة 

وَهم يمَزَّقون أَوْصَال الرُّقْعَة سِرًّا 

ويبيعونها مقطعة بِلَا مِيزَان ، 

 

أَنَا لَسْت جلموداً وَلَا جبلاً 

فَكَيْفَ لِي الْبَقَاءِ فِي ذَاكَ الْمَكَان ، 

 

-بكل بُرُود خلعتُ حِذائِي الضِّيق 

ورحتُ أَزْحَف خَارِج الزَّمَان 

 بَيْنَمَا رَأْسِي المنكوب 

رَاحَت تهْتَزّ يَمِينًا وَشِمَالاً 

وَهي تنْفُض غُبَارٌ الْخِذْلَان ،


للمجهول اكملت المسير 

 وظنّنت أن أنال مِن جُيُوب الْغَد 

قَلِيلًا مِنْ الهُدوء وَشَيْئًا مِنْ الْأَمَان ، 

 لَكِن كُلَّمَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِ العابرين 

أَمْطَرَت سمائي حزنها 

وتبللت مني الْوَجْنَتَان 

"" "" 

خَارِجِ الرُّقْعَةِ 

بِلَا أَمْطَار تنبت دوما ، 

بِذور الذَّاكِرَة . 

................... 

القراءة..:

----------

لنفكك اشارات النص المحوريةولأبدأ بـ"المربع الاحمر" :


 

ـ المربع:

 تتحدد دلالتها بالاحالة داخلياً على ((والبيادق بَاتَت ))و((تَمَزَّق أَوْصَال الرُّقْعَة)) بأنها:رقعة الشطرنج المربعة ( 8×8 مربع ).

وهي تستدعي : لاعباً + احجاراً(القطع الشطرنجية الملعوب بها).

وهدف هذه اللعبة إماتة/ قتل ملك الخصم بوضعه تحت تهديد بالأسر لا يمكن الفرار منه / كش ، ولايتم ذلك الا ( بقتل )كل مايحول دون هذا من احجار/ قطع الخصم.


ـ الاحمر : ازاحة دلالية عن "الدم" لتعالقها السياقي مع فعل قتل البيادق ((والبيادق بَاتَت رَمَاد وَدُخَان ))

وبتعالق (الدم) مع كينونة حية حصراً، تكون دلالةالاشارةالجمعية"البيادق"  مزاحة عن :الجنود .

 بتركيب ماولّده تفكيك ظاهر دلالتي  الاشارتين  "المربع الاحمر"  ، تتشكل دلالتهما المضمرة  :

ازاحة دلالية عنٍ (الحياة)المستباحة 

موضعتها مكزمانياً:

(الوطن)المسفوكة دماء شعبه.

والمفروغ منه ان لكل وطن سلطةً تسوسه ، وتدير اسباب العيش لشعبه ، ولما كان لكل سلطة رأس / قائد حاكم ( ومرادفاته) ، تكون دلالة (اللاعب )مزاحة عنه. 

ـ مللتُ/ سئمتُ :اشارتان مترادفتان ، كل منهما مركبة من فعل + ضمير فاعل متصل (تاء المتكلم)، سافككها الى مركباتها : 

 مدلولهما لغةً: ضجر، مصدرهما: مللٌ ، ملالة/ سأْم ، سآمة

دلالتهما سايكولوجياً: شعور الفرد بعدم استقراره داخلياً، سوداوية نظرته للحياة،والتعب العقلي، جراء فعله الشيء نفسه مرارا وتكراراً / فعل روتيني.

وللاشارتين دلالة مضمرة:استجابة شعورية متعالقة سببياً مع مؤثر خارجي مكزماني .

المقاربة :اثر نفسي لمؤثر خارجي، سالب للاتزان الداخلي 

(تاءالفاعل)المتصلة بهما :اشارةالى من يتابع اللعبة / الدست الشطرنجي ، فلو كانت اشارة الى (اللاعب) لتوقف عن ممارسته فعلاً رتيباً يسبب له الضجر (الملل).

 دلالةالتاءالمتصلة :الشاعر الفاقد سلامه الداخلي وهو يرى وطنه مستباحاً مهدورة دماء ابنائه  لمعاودة     (اللاعب)  تكرار لعبته .

دلالة تكرار اللاعب لُعبتَه( مبعث ملالة المتابع / الشاعر):اللاعب /القائد الحاكم، دائم الخسارة، ورغم جسامة ما(يُقتَل) من جنوده واصطباغ رقعة الدست / الوطن ، بدمائهم ،و استحالتها محرقة (( احْتَرَقَت كُلّ المربعات )) لأحلامه بالفوز والغلَبة ،الا انه يكرر اللعب /المعارك ،بحثاً عن انتصار ، ولكن من هو خصمه ؟  .

بالقراءة السياقية للاشارتين ( شهرزاد/ شهريار) نجدانهما مقاميتان / التراث الادبي العربي ، قام الشاعر بالتناص معهما :

(( متى يا شَهْرَزاد؟ 

ستقصين لشهريار النائم 

حِكَايَاتِ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان ))

ليقدم للقارئ مفتاحاً دلالياً يساعده على فهم نصه .


فمقاربة ظاهر دلالتيهماالسياقية(الف ليلة وليلة):

الضحية( من عامةالناس )/ الجلاد( حاكم سلطوي).

جلاد جائر جعل من بلاط حكمه رقعةً شطرنجية، فوق نطعها( النطع : بساطٌ من جلد يُفرش تحت المحكوم عليه بالقتل )،ادمن التلاعبّ بدماء ضحاياه  ، يسفكها  في حروبه العبثية،وينام حالماً بالانتصار.

بذا تعرفنا على خصم هذا الحاكم الجلاد وهو الشعب المقهور.

وبتعالق(بلاط شهريار) تناصياً مع ( المربع الاحمر ) عند احالته على  خطاب المنادي / الشاعر في :

(( ...أَيُّهَا الْمُرَبَّع الْأَحْمَر

 ... صمتك المشؤوم 

وضجيج كَذَّبَك الرنان

احْتَرَقَت كُلّ المربعات  

...

...

 لَم تَكْتَرِث لبكاء الْعَصَافِير . 

بَل رَاقَ لَك نَحِيب الْغِزْلَان ))

يحل ( شهريار / الحاكم الجلاد ) محل ذلك المربع  ،كمُنادى معقلن مكثف الازاحة عنه،

فصمت الجلاد واصداء كذِبه واستحالة ا يبعثان على التشاؤم من تكرار سفكه الدماء ،وتشويه جميل معاني الحياة ، لايحفل بدموع ضحاياه ويطرب لأنينهم كما في المقاربة:

العصافير / رمزية جمالية حياتية 

الغزلان / رمزية جمالية انسانية /الفتيات الحسناوات( سياقية ادبية تراثية عربية )

وهو ( الجلاد) منقطع لروتينية فعله الدامي ،

 غير دارٍ بما  يدور من (( حِكَايَاتٌ مَا خَلَّفَ الْجُدْرَان )) عمايصيب الناس من بلاء جراء ماتقترف يداه بحقهم ، فهاهم تجار حروبه يبيعون اشلاء الوطن بلا حساب :

(( ...السَّمَاسِرَة 

وَهم يمَزَّقون أَوْصَال الرُّقْعَة سِرًّا

ويبيعونها مقطعة بِلَا مِيزَان ))

فيطلق الشاعر صرخة رفضه شنيع هذه الجرائم :

(( لم احْتَمَل ...)) 

 فهو يشعر بفداحة آلام ناسه المعذبين :

((أَنَا لَسْت جلموداً وَلَا جبلاً))

 ولانه مخذول لم يجد من ينصره لرد الظلم عنهم يختار الرحيل عن الوطن : 

(( فَكَيْفَ لِي الْبَقَاءِ فِي ذَاكَ الْمَكَان  

 ...

 ورحتُ أَزْحَف خَارِج الزَّمَان 

 بَيْنَمَا رَأْسِي المنكوب 

رَاحت تهتَزّ يَمِينًا وَشِمَالاً 

وَهي تنفُض غُبَارٌ الْخِذْلَان ))

فلا غير المنافي :

(( للمجهول اكملت المسير ))

مراهناً على حلم العثور على بعض امان وسكينة فيها : 

 ((وظنّنت أن أنال مِن جُيُوب الْغَد 

قَلِيلًا مِنْ الهُدوء وَشَيْئًا مِنْ الْأَمَان ))

 لكنه لم يجد غير لوعة وهمٍّ ثقيل :

 (( لَكِن كُلَّمَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِ العابرين 

أَمْطَرَت سمائي حزنها 

وتبللت مني الْوَجْنَتَان ))

فبعيداً عن حضن الوطن ليس هناك سوى يباب قاحل المشاعر حيث تتناسل الذكريات حسب  لتلد ذكريات :

(( خَارِجِ الرُّقْعَةِ 

بِلَا أَمْطَار تنبت دوما ، 

بِذور الذَّاكِرَة ))

 ـ باسم الفضلي العراقي ـ

-----------------

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

دراسة نقدية /في نص قيثارة / للاستاذة الأديبة والشاعرة المبدعة فاطمة رشيد معتوق / بقلم الشاعرة المبدعة : سما سامي بغدادي

غارق بهواكِ// بقلم الشاعر: علي أحمد أبورفيع

لي رب رحيم// بقلم الشاعر: علي أحمد أبورفيع