لماذا نكتب ؟ // بقلم الشاعر عبد العزيز عميمر

لماذا تكتب ؟   
                                                                       قيل لي لماذا تكتب؟
 لوعرفت جوابا لما كتبت، سؤال يغرينا بالسهولة، وجوابه صعب ومعقد للغاية .
 أجد نفسي تنساب ووجداني يذوب ويمتزج بالخيال والزخرفة اللغوية، حالما أفتح باب الحروف، تتدفق، تتسابق فوق الورقة البيضاء لتحويلها إلى سواد، وكأنها تختار مكانها وصفّها ولست أنا الذي يختار ويصفّف .
أفرح بها فرح الشيخ بأحفاده، وأخرج من الصندوق الحروف، وأضعها فوق الورقة وابتكر وأحاول أحيانا أن أكون مثل المنفلوطي الذي يسيل قلمه عذوبة ، وقد طوع اللغة وأعطٱها نكهة أخرى .

. أشعر أن الورقة البيضاء بدأت تتألم من ثقل المفردات، رغم أنها خاوية يضحك منها الأدباء، لكن بدأت تئن تحت ثقل الزخرفة اللغوية، رغم أن زخرفتي مازالت طفلا يحبو لم يبلغ الفطام بعد، وأفكاري لن تصل أبدا إلى رسالة الغفران التي قرأتها ولم أفهما لعسر مفرداتها ،حتى القواميس عجزت عن تفسيرها .

. أفرغ ماعندي، الحمدلله، الآن أحس بالرّاحة، إنها ولادة عسيرة، ومعاناة ،جروح غزيرة تركتها الكلمات، إنه إخراج المكتوم ليتنفّس ويرى الدنيا، هو جزء من كينونتي، من فكري، من شخصيتي، لم يبق إلا اللّحم والعظام، شخصيتي آلامي، أفراحي، وما يدخّره اللاشعوري، ذلك المدفون يقحم نفسه ،ويدخل بين صفوف كلماتي ولا اتفطن له، حتى وإن تفطنت ،أغمض عينيّ، وأعتبره زلقة قلم وخطأ لسان وفضاء ورقة مسؤولة عن نفسها وأتبرأ منه، هذا لمن فطن لقصدي وعرفه ،ذلك هو اعتذاري، وفي قرارات نفسي دفعت للخارج قنبلة موقوتة، تخلصت منها للأبد ،فشكرا للمدفون الذي خرج رغم حراسة الأنا وإشراف الأنا الأعلى: super Ugo .

.كتابتي حالة إبداعية من الذات والوجدان، بقدر ما أحبّ كتابتي بقدر ما تعذّبني وتحفر أخاديد في روحي، لكنٌني ارتاح وأحس بالنشوة، بل وبالعظمة، خاصة عند تصفيق الناس، وإعجابهم، فأتحول إلى بؤرة انتباههم وانشغالهم .

. وكم أحب تسليط الأضواء الكاشفة، فيحمرّ وجهي من فرط الانتصار والقبض على الهدف الهارب مني، منذ زمن طويل، انا في عالم النجومية !!!

أنا أكتب لأكون حيّا فالكلمات هي الهواء الذي اتنفّسه والقصّة أعشقها، صرت مدمنا على إنتاجها . 

رأيت كلما تألم الكاتب من الولادة العسيرة وربّما قبل بالولادة القيصريّة للتقليل من قبضة الألم ، كلما كان إنتاجه صادقا لا يعبّر عن نفسه فقط ،بل ترجمان للبشرية . 
إنها آهات معذّب يرفض الواقع المزيّف ويشعر أنه لم يخلق له،بل خلق لعالم آخر يفكّر عسلا وينساب حبّا ويتدفّق تسامحه بدون تمييز.

وصلنا الآن لمعادلة رياضية نقحمها في الأدب مرغمة، وهي: أن ألم الكتابة تقابلها لذة المولود الجديد ، وبقدر شدة الألم تكون قوة اللذة وذوبان الجسد في الروح،فيشعر الإنسان بالخفة ،فيرى ما لا يرى الناس ويسمع ملا يسمعون،فيشفق على الناس ويصف لهم الطبيعة والحياة لأنهم صم،بكم عمي . 

وفي ظل تجوالي رأيت مجموعة من كبار أدبائنا، في حديقة الأدب ووجه لهم السؤال الأبدي: لماذا تكتب ؟ واستمعت إليهم ونقلت لكم ما قالوا:
_ نجيب محفوظ: رغبتي أن أكون مهما، وأظهر للآخرين المبادئ التي يتم العمل بها،لكني لا اميز بين الكتابة والحياة.

_يوسف إدريس: أكتب لأنني احيا، واستمر في الكتابة، لانني أطمح لحياة أفضل.
_درويش: لأنني متورط في الكتابة ، بايقاع لم يسمح لي بالتساؤل ، احيانا لألعب ، لكن لماذا اكتب ؟! ، ربما لم يعد لي هوية أخرى غير الكتابة ، ولم يعد لي محبة اخرى،وحرية أخرى،ولا وطن آخر.

حاولت استراق السمع وانقل لكم ماقالة بقية الأدباء، لكن اغلق الباب ولم اعد اسمع شيئا، من فضلكم هذا سر، احتفظوا به ولا تنشروه،حتى لا يقال عني،،،

الكاتب الجزائري عبدالعزيز عميمر

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

دراسة نقدية /في نص قيثارة / للاستاذة الأديبة والشاعرة المبدعة فاطمة رشيد معتوق / بقلم الشاعرة المبدعة : سما سامي بغدادي

غارق بهواكِ// بقلم الشاعر: علي أحمد أبورفيع

لي رب رحيم// بقلم الشاعر: علي أحمد أبورفيع